هناك «دوّيخة» تضرب جانباً لا بأسَ به من «نادي» الحقوقيين اليوم، تأتي على وزن الصرع، أو الضياع الناتجين عن تصرّفات بعض من في السّلطة القضائيّة، القُضاة تحديداً، الذين يكيلون بميزانين و مكيالين، ويميلون إلى «النكش» في الجيوب، بدل «الحركشة» في «وكر الدبابير» الأمني المُغطّى سياسيّاً الذي يفترض أنّه حمّال المصائب على هذا الجسم وصاحب نوايا السطوة عليه!
كان لا بُدَّ للجسم القضائي أنّ يستنجِدَ بأحد أعظم قضاة «بلاد العرب»، شريح بن الحارث الكندي، قاضي الكوفة الذي قال بحقّه الإمام علي أنه «أقضى قُضاة العرب»، الرّجل الذي ناهزَ عمره المئة عام إختارَ في خريفِ عمره أنّ يستقيل من منصبه مع تولّي «الحجّاج بن يوسف» الخلافة في الكوفة، يومذاك، ردَّ شُريح لسائليه عن الأسباب بأنّه لا يستطيع أنّ يكون قاضيّاً والحجّاج يَحكم.. لسان الحال اليوم، كيف يَحكم قُضاة لبنان وفي ربوعنا السياسيّة والأمنيّة «حجاجيج يوسَفيّون»؟
إختارَ هؤلاء القُضاة الإعتكاف، ليسَ لأمرٍ يتّصل باستتباب أعمالهم وحفظها من التدخّلات، بل من أجل حفنة دنانير هي مستحقّات وامتيازات يجنونها من الضرائب التي تمدّهم بها السُلطة السياسيّة، الغريب، أنّ القُضاة الثائرين اليوم على أم السلطة وأبوها، لم يؤتوا على حركة حينَ مُدّت السلطة الأمنيّة اليدَ على سلطانهم، وأخذت «الصالح منهم بعزا الطالح»!
حتّى أن أباطرة القضاء، لم تساورهم أنفسهم على ملاحقة من يتجاوز القانون منهم ويستغلّ القوس لمآربَ شخصيّة، ويجني من ورائه السلطة والإثراء غير المشروع، والتمريقات التي تُكشف اليوم على نواحٍ فظيعة، ولم يُقدم أحدٌ منهم على افتعال ثورة اصلاح في ملاكه تُنجيه والملاك من استغلال رجال الأمن الطامحين لتركيع القضاء والسطوة عليه، لكنّهم طبعاً وحين «دُقَّ» بالحقوق «دقّوا زعلة وإعتكفوا»..!
المُصيبة في ظلّ كلّ ذلك تكمن في إيقاف مصالح الناس وعدم اكتراث القُضاةإلّا لأحول الموقوفين فقط، وكأن في البلاد لا ملفّات قضائيّة ولا من يحزنون.. ليتكم تسمعون شكاوى وصراخ المحامين ورجال الحقوق، هؤلاء الذين وعلى وصف احدهم «يتبهدلون» أمام الغرف وفي بهوات قصور العدل وامام الشبابيك، وما كان ينقصهم سوى مصيبة أخرى هي غياب القدرة على تقديم الملفّات ومتابعتها!
كان لا بدَّ من الإعتكاف يا سادة القانون، كرمى لقصور العدل المتهالكة التي تشهد على صيف وشتاء تحت سقفٍ واحد، لا كرمى للتنافس بين «المجلس» و «النادي»، والساعي إلى الحصول على إمتياز تولّي القضاء ووراثته!
يقول أحد القانونيين مستغرباً إعتكاف سلطة ضد سلطة، ملخصاً كل ما يجري بـ«مسرحية خرقاء»، ثم يتبادر إلى ذهنهِ سؤالٌ حول تواريخ ومواقيت استيقاظ السلطة القضائيّة من الغفلة والسبات، وآخر عن الصيغة القانونيّة التي اعتُمدت في أجل «تشريع الاعتكاف».. هل يدون أنّ هذا السلوك غيرَ قانوني؟ هل يعلمون أنّ القاضي لا يعتكف بل يُقيم الحدَ والعدلَ والميزان؟ هل يجوز تحول القاضي إلى جلّاد؟ هل يجوز أنّ تُضرب بعرض الحائط مصائر الناس القضائيّة لأن البعض خائف على جيوبه؟ وهل يجوز أن يدفع المواطن ثمن النزاع القضائي الداخلي بين المجلس والنادي؟ لماذا لا يثورون من أجل حفظ رؤوسهم من تمادي بعض رجالات الأمن عليهم؟
قصور العدل يا سادة معطّلة والعدل مفقود أحياناً والتجاوزات شيمة أهل البيت، وما على المارين على الطريق سوى الوقوف دقيقة صمت عن روح جسداً أضحى بلا روح