أما وقد بدأ التهويل والحرب
النفسية والحصار الأقصى والأقوى على الجمهورية الإسلامية في إيران، وانطلقت الإدارة الأميركية في سياسة هجومية بدعم من الصقور في الإدارة وبعض الدول العربية وطبعاً الكيان الصهيوني، ظناً من ترامب أن الجمهورية الإسلامية سوف تخضع لغطرسته ويتمكن من لوي ذراعها الطويلة والقوية، وتَخضًع للمفاوضات التي قد تستمر لسنوات (والجمهورية الإسلامية تحت الحصار) والتي بالطبع ستكون صعبة ومتشعبة وصولاً لتحجيم دور الجمهورية الإسلامية على كافة المستويات الثقافية والإقتصادية والسياسية، فالجمهورية الإسلامية من وجهة نظر ترامب دولة مارقة وهي تعمل ما بوسعها لإحباط كل خطط الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وعلى كافة المستويات وعلى إمتداد الكرة الأرضية وخاصةً الشرق الأوسط وهي أي الجمهورية الإسلامية تخطت دورها كقوة إقليمية وتتجه لفرض نفسها أكثر وأكثر على المستوى الإقليمي والدولي.
العراضات التي يقوم بها ترامب هي للتخويف وفرض منطق البلطجة على الجمهورية الإسلامية، وهو يثبت جهله تماماً بموقع وقدرات الجمهورية الإسلامية، فعندما شعر بعدم جدوى جولات وزير خارجيته على المنطقة وتهديد هذا الأخير للمقاومة في عقر دارها، إنتقل بسياسة (الكاوبوي) من القوة الناعمة التي لم ولن تجدي نفعاً مع الجمهورية الإسلامية، فبالرغم من التشدد والتدرج في العقوبات الخانقة رأى ترامب أنه لا بد أن ينتقل إلى الحرب الخشنة ولو بالتهويل وإرسال الأساطيل والتصريح بنية إرسال 120 ألف جندي أميركي إلى منطقة الخليج.
لا شك بأن الحصار الإقتصادي الذي وصل إلى أقصى حدوده يؤثر بشكل مباشر وكبير على الجمهورية الإسلامية، فهذه الدولة التي نشأت منذ 40 سنة وأصبحت ذات نفوذ وإمتدادات، وتطورت رغم الحصار في الكثير من المجالات الصناعية والتكنولوجيا والأبحاث وقوة لا يستهان بها على المستوى الإقليمي فهي لن ترضخ أو تنصاع لمجرد تهديد وإستعراضات في الخليج، ففي لبنان الذي إنتصر في عدوان 2006 لمجرد صموده وكانت إستراتيجية العدو الصهيوني القضاء على المقاومة، ولكن المقاومة إزدادت قوة واستنزفت العدو مدة 33 يوماً وجعلته في مأزق، أما اليوم فإن هذه التهويلات لن تحبط من عزيمة الجمهورية الإسلامية وسوف تستمر في سياساتها المعهودة ولو أرادت التفاوض لفعلت، فالمبعوثين وزوار الجمهورية الإسلامية ليس لهم هم إلا فتح قنوات للتفاوض بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، ترامب يمثل للعالم بأنه مجنون ولن يخضع للدبلوماسية الدولية وأنه لا يعرف سوى الحرب وإخضاع الشعوب بالقوة والتهديد.
القواعد الأميركية تستنفر وجيوشها الإلكترونية تهوّل، وترامب يتوعّد الجمهورية الإسلامية بقوله: *إذا أرادت إيران خوض حرب فسيكون ذلك النهاية الرسمية لإيران*.*لا تهددوا الولايات المتحدة مجدداً، *ويرد عليه وزير خارجية الجمهورية الإسلامية محمد جواد ظريف: *إننا متأكدون لن تكون هناك حرب لأننا لا نريد حرباً ولا أحد لديه أوهام أن بوسعه مواجهة إيران في المنطقة* ، ويضيف الجمهورية الإسلامية سترى نهاية ترامب بينما لن يرى ترامب نهاية الجمهورية الإسلامية أبداً.
- *هناك ثلاث حقائق يمكن الإشارة إليها في هذا السياق*:
1- الجمهورية الإسلامية تهيأت للرد على أي اعتداء عليها ويعتمد على استراتيجية الضربة الأولى، فقد ربطت 15 ألف صاروخ أرض – أرض بالستي بمنظومة الرادارات بمجرد رصدها إعتداء يتجه إلى أراضيها، وهناك أكثر من خمسة آلاف صاروخ بالستي مُنصّبة بإتجاه الأهداف الحيوية في إسرائيل (فمصير إسرائيل مرتبط بالمواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية).
2- جميع القواعد العسكرية الأميركية في دول الخليج والعراق وأفغانستان ستكون هدفاً للضربة الأولى، وعليه ستفقد الولايات المتحدة الأميركية جميع قواعدها في منطقة الشرق الأوسط ومن المحتمل أيضاً أن تكون عواصم بعض دول الخليج هدفاُ لصواريخ الجمهورية الإسلامية.
3- يستعجل ترامب تدخل الوسطاء من سويسرا إلى مسقط إلى العراق وغيرها من الدول التي أبدت رغبتها للتوسط، فيتراجع ليقول: أنه لا يريد الحرب بل مساعدة الشعب في الجمهورية الإسلامية وهو مستعد للإتفاق والجلوس مع القيادة الإيرانية وما يزال ينتظر الإتصال الهاتفي والذي لم ولن يحصل، فالرد الإيراني هو التالي: لا تفاوض، لا رضوخ.
الواضح إنّ ترامب قد عرف بأن الجمهورية الإسلامية في إيران ليس لديها وقت للعب والتغريد على تويتر، هي تستعد للحرب وهو ما زال ينتظر من أحد أن ينزله من على الشجرة التي أصعده عليها مستشاروه وبعض دول الخليج وإسرائيل وأولاً وأخيراً جنون العظمة، فحالنا مع أميركا كما يقول *شكسبير: الذئب ما كان ليكون ذئباً لو لم تكن الخراف خرافاً*، وهذا هو حال منطقتنا مع الإدارة الأميركية التي تستجدي روسيا كي تتدخل لدى الجمهورية الإسلامية علّها تنزل ترامب عن الشجرة، فإن لم يفلح أحد في الوساطة نظراً لتصلب موقف الجمهورية الإسلامية، فلربما سينزل نفسه بنفسه في آخر المطاف.
*د. علي عبدالله سيّد / باحث في العلاقات الدولية*