كلّنا التقينا مرّة بشخص لم ننسه بعدها... ستّ سنواتٍ مرّت على آخر حديث مسجّل مع إليسا، كانت حينها رئيسة تحرير "جمالكِ" لشهرٍ واحد، وكانت قد قضت معنا الوقت الكافي لتشاركنا أفكارها ومشاعرها دون فلترة، ولنسألها عن كل ما رغبنا في معرفته... كانت تلك جلسة تبقى في الذاكرة، نابضة بالطاقة والشفافيّة والقوّة النسويّة... 6 سنوات خبّأت الكثير لإليسا، قد تكون تغيّرت! أستعدّ لحديث جديد متمنيةً ألّا يمسّ في ذاكرتي تأثير الحديث القديم! تصل قبلنا كعادتها. أمضي معها 45 دقيقة في جلسة مريحة وعابقة بالإيجابيّة. أخرج وكأنّ شيئاً لم يتغيّر. إليسا هي هي: حقيقيّة، قويّة، حرّة. تعشق الحياة، لا تتنازل، تأخذ الخيارات الصعبة، تحفّز نفسها بنفسها... شيءٌ واحد تغيّر فقط! إليسا لم تعد ذلك الشخص الذي نلتقي به ولا ننساه أبداً، بل أصبحت في مكانٍ آخر، ملهمة، مؤثّرة وأقوى من أيّ وقتٍ مضى. هي ملكة لعبة تطوير الذات، وتعرف كيف تطوّع السنوات لتزيدها نضجاً وجاذبية وقوّة تأثير.
"أنا مرتاحة مع نفسي ومع جسمي ومع نضوجي، وكل عام أرى نفسي أفضل من العام الذي قبله!"
سأغادر وأنا نجمة...
أجمل ما في إليسا أنّها لا تقوم بمجهود لإبهار أحد. مطّلعة جدّاً، لكن لا تقول الكثير إلّا إذا سئلت الكثير. لا تجمّل الحقيقة، لا تضحك ولا تساير إذا لم ترغب بذلك. ذلك لا يلغي حقيقة أنّها لطيفة جدّاً بطبعها. أفتح المقابلة القديمة وأقرأ لها ما قالته حينها: "عندما أكون بحاجة لإعطاء نفسي جرعة من الدعم والقوّة، أقول: أنا إليسا ولديّ ملايين الناس الذين يحبّونني".
ثمّ أسألها: ما زلتِ تستخدمين هذه الوصفة؟ "طبعاً ما زلت أستخدمها. أنا امرأة واثقة من نفسي، لكن أحياناً تأتي بعض المواقف لتخضّني قليلاً، فأذكّر نفسي بالناس الذين يحبّونني وهم كثر". - وهل أصبحتِ تحتاجين هذه الوصفة أكثر؟ "أنا دائماً بحاجة إليها. من دون حبّ الناس، لا قيمة للشهرة. الدعم المعنويّ الذي أحصل عليه ممّن يحبّونني مهمّ جدّاً في حياتي". - هل خذلتِهم يوماً؟ "أحاول ألّا أخذلهم، لكن بعض قراراتي أحزنتهم، مثل فكرة الاعتزال التي ولّدت ردّ فعل كبير لديهم، لذا كتبتُ تغريدة في اليوم التالي، أقول فيها إنّني سأكمل الغناء عندما أصبح جاهزة لأنتج لنفسي". تجيب بإشارة نعم عندما أسألها إذا كان جمهورها قادراً أن يؤثّر على قرارتها.
- في تلك المقابلة قلتِ أيضاً: "سأغادر وأنا نجمة". تجيب: "وما زلت أقولها. عندما يبدأ النجم بالنزول بدلاً من الصعود، برأيي لا يجب أن يقوم بأيّة خطوة إضافيّة، بل أن يتوقّف ويغادر في عزّ نجاحه. ليس من الجميل التراجع بعد كلّ النجاح والحبّ الذي نصنعه". - وكيف تقيّمين أين أنتِ اليوم؟ ماذا لو كنتِ عاطفيّة بحكمكِ؟ "لا أتّكل على مشاعري، بل أحلّل منطقيّاً المؤشّرات المتوفّرة بين يديّ مثل أرقام تنزيلات الأغاني، عدد المشاهدات، أعداد متابعيّ، الحفلات، عروض العمل... أنا واقعيّة جدّاً. أحياناً أحزن قليلاً، لكنّي أعود سريعاً إلى أرض الواقع، خصوصاً أنّني أستمدّ قوّتي من واقعي".
لم أحلم، بل وضعت أهدافاً...
إليسا رومانسيّة حالمة! قد نظنّ ذلك عندما نستمع لموسيقاها والطريقة التي تغنّي بها، لكن في الواقع هي ليست كذلك: "لم أحلم. بل أردت. تماشيتُ مع واقعي وتطوّري ووضعتُ أهدافاً تتماشى مع هذا الواقع وتوجّهت صوبها. لا أحلم بشيء لا أستطيع الحصول عليه، بل أضع أهدافاً أستطيع بلوغها بشخصيّتي وخبرتي وعقلي". - تبدين واثقة جدّاً عندما تتكلّمين عن الأهداف. "عندما تكون لدينا الإرادة، نجد الطريقة لبلوغ أهدافنا. كثير من الأمور قلت لنفسي إنّني أريدها وحصلت عليها، لكنّي أعرف أيضاً أنّه لا يمكن للإنسان الحصول على كلّ شيء في الحياة. ليست لديّ أحلام ضائعة. لا أندم على شيء. واقعيّتي تساعدني كثيراً في الحفاظ على توازني. تأتي أوقات أشكّ فيها بكلّ ما فعلته مثل كلّ إنسان، لكنّها قليلة ومدّتها قصيرة". - ماذا تريدين بعد؟ "أريد أن أحافظ على نجاحي". - هل تغيّر شيء؟ "لم يتغيّر شيء، شركة روتانا لطالما دعمتني في قراراتي، كذلك سالم الهندي وسمو الأمير الوليد بن طلال، لكنّ لديّ اعتبارات أخرى فيما يخصّ الألبوم المقبل. سأنتج لنفسي، إنْ قرّرتُ الرجوع عن قراري بالتوقّف". - أحزنتكِ فكرة أن تصبح موسيقاكِ حصريّة بمنصّة واحدة؟ "لا أحبّ فكرة الحصريّة. الفنّان للجميع ويجب أن تكون أعماله أينما كان. - هل أنتِ عاطفيّة في قرارتكِ؟ "إذا اتّخذت قراراً بترك شركة إنتاجي مثلاً، سيحزنني ذلك لأنّني أحبّ مَن يعملون معي، وقد أصبحوا مثل عائلتي، لكن أحياناً، هناك اعتبارات أخرى تجعلكِ تأخذين قراراً ما وتمضين قدماً... لكن لا أحبّ أن أفسد العلاقات ولا أحبّ أن أشعر بالذنب، بل أفضّل الاتفاق، ويريحني أن أعرف أن مَن أحبّهم راضين! فقط مَن أحبّهم، إذ لا يهمّني أمر من لا يعنون لي".
عن العمر، الذكريات والمستقبل...
أسألها: ماذا عن الأطفال وفكرة التبنّي؟: "اليوم لا يزعجني واقع أنّني لم أنجب الأطفال. إذا وجدتُ حبّاً تحوّل إلى زواج، قد أفكّر بالتبنّي، إن لم أستطع الإنجاب. لكنّني لا أفكّر بالتبنّي لوحدي. أنا مكتفية بما لديّ وسعيدة بحياتي كما هي. لا أحسّ بالنقص. عوّضتُ عن الأولاد بمَن أحبّهم وبأولاد إخوتي. وقد لاحظتُ من قصص الحياة وممّن يحيطون بي، أنّ الأولاد لا يشكّلون السعادة المطلقة. هم استمراريّة، يمنحون هدفاً للحياة، لكنّهم يكبرون ويرحلون ويبقى الأهل وحيدين. غالبيّة الناس يقولون إنّهم يريدون الزواج لكي لا يبقوا وحيدين. ذلك يحزنني، لأنّهم يتزوّجون للسبب الخطأ، فلا تكون حياتهم كما يتمنّون، ويشعرون بوحدة قاتلة بالرغم من وجود الزوج والأولاد".
أريد أن أعرف أكثر عن هذه المرأة الكريمة جدّاً بأفكارها وإجاباتها. - كيف كنتِ في طفولتكِ؟ "كنت صورة مصغّرة عن الآن. ربّما كنتُ أقلّ قوّة من اليوم. لم أعد أسكت عندما يمسّني شيء يزعجني. كنت أيضاً مسؤولة وأحبّ أن أنجز أموراً على قدر إمكاناتي". - ماذا كنتِ ترغبين بأن تصبحي عندما تكبرين؟ "لم أكن أفكّر بذلك، لكنّ والدي كان يرغب في أن أكون محامية، لأنّي كنت أجيد التكلّم والتعبير عن رأيي دون تردّد. ربّما كان لساني يسبق تفكيري، لكنّي اليوم لم أعد كذلك، بعدما مرّنتُ نفسي لسنوات". - ضعي عنواناً لكلّ عقدٍ من عقود العمر. "في عشرينيّاتي، كنت طفلة بالنسبة للطريقة التي أنظر فيها للأمور الآن. لم أفكّر كيف أريد أن أكون. مشيتُ الطريق خطوة بخطوة. الثلاثينيّات هي أوّل النضوج، أمّا الأربعينيّات، فهي عمر النضوج الكبير والرضى عن النفس ومعرفة الذات". تقوم عن السرير لتجهّز نفسها لتكون الجميلة التي نعرفها أمام عدسة الكاميرا. جميلة بنظر نفسها، ورائعة بنظر كلّ مَن تعرّف إليها عن قرب...