الرئيس بري المعتكف إعلامياً يبدي تشاؤماً: أنتظر مبادرات الآخرين

زوار عين التينة خلال الساعات الـ36 الأخيرة يخرجون منها بانطباع جوهره ان الرئيس نبيه بري، الذي كان دائماً قبلة الانظار في الازمات كونه يمتلك القدرة على اجتراح الحلول وصوغ التسويات وتدوير الزوايا مهما كانت حادة، ويمتلك أيضاً فضيلة اطلاق موجات التفاؤل في عز المناخات السوداوية، هو الآن يبلغ مَن يحلّ عليه ضيفاً انه بات في مرحلة تلقّي المبادرات للتفاعل معها بعدما ادى قسطه في هذا المجال ناصحاً ومطلقاً الافكار وراسماً خريطة طريق الى ابتداع الحلول.

ولا يستنكف بري عن القول إنه أقرب الى الصوم عن الكلام المباح “تجنباً للظهور في صورة الشاكي أو الباكي” نتيجة ما تدحرجت اليه الامور من تعقيدات ومناخات ضبابية.

ولا يخفي هذا السياسي المخضرم والعارف بأدق التفاصيل السياسية والعالِم ببواطن الامور، منسوب قلقه العالي مما آلت اليه الاوضاع. وعلى رغم انه اعتاد ألا يطلق الكلام على عواهنه، وان يزين مواقفه بميزان الذهب، فانه يبادر الى القول: “انا افهم ان العدو هو من يتآمر، ولكن ما لا افهمه ان ينزلق بعض ابناء البلد، عن وعي او لا وعي، الى فخ التآمر هذا بقدميه من دون ان يتبصر جيداً بالعواقب والنتائج”.

ويذكّر بري بمواقف كان قد أعلنها غداة انطلاق الحراك الشعبي، وفحواها ان “المطالب التي يرفع هذا الحراك لواءها هي مطالب الجميع، ولا يمكن أحداً ان يعاديها”. ويضيف في المقابل “ان ما نقوم به لمواجهة الموقف ضروري جداً لكنه ليس كافياً للمعالجة والرد على التحديات”.

ويكشف رئيس المجلس بكل شفافية انه كان “اول من اطلق دعوة صادقة وصريحة الى العمل بقوة بغية تمثيل الحراك الشعبي في الشارع في اي حكومة مقبلة بعدد من الوزراء، وذلك ريثما نجري انتخابات نيابية جديدة ينبثق منها مجلس جديد”.

ولم يفت بري ان يلفت الى ان شخصيات ومجموعات من لدن الحراك صاغت في الآونة الاخيرة رؤية انقاذية سياسية – اقتصادية، وقد ضمّنتها طرحاً يقضي بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على اساس النسبية، وهو عين المشروع الانتخابي الذي رفعته كتلتنا ودعونا الى تبنّيه من الجميع وجعله القانون الذي تُجرى الانتخابات المقبلة على اساسه توطئة لبلوغ الهدف الاسمى لنا وهو الدولة المدنية التي تقوم على اساس المواطنة، فضلاً عن انه مقدمة لتوسيع شرايين الحياة السياسية وادخال دم جديد اليها”.

ويضيف: “لا ريب في ان التطورات المتسارعة، ولاسيما منها تلك التي تلت انطلاق الحراك، قد فتحت العيون على معطيات ووقائع عدة مهمة علينا التنبه لها وأخذها في الاعتبار. ولكن ما نشهده اخيراً من حالات فوضى تصبّ حتماً في خانة ما يريده العدو الصهيوني ويتمناه لنا. والمقلق ان البعض يرى بأم العين فصول المؤامرة بيّنة لكنه ينزلق الى أتونها برجليه من دون ان يحسب حساب العواقب والتداعيات على البلاد والعباد”.

وعن الاحتمالات المرتقبة من الآن الى نهار الاثنين المقبل، اي الموعد الثاني للاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري، يقول بري: “من الضروري المضي قدماً لاجراء هذه الاستشارات وان تكون مدخلاً لاستيلاد الحكومة المنتظر ولادتها على أحرّ من الجمر، وذلك كمدخل لسحب فتيل الازمة، اذ من نافل القول ان الوضع في غاية الصعوبة”.

ويشير الى ان “هناك من يتآمر علينا، لكن فرنسا واوروبا عموماً أبدت وتبدي تعاطفاً معنا وحرصاً على المضيّ في طي صفحة الفراغ الحكومي الحاصل والانطلاق تالياً الى معالجة التردي المالي والاقتصادي الحاصل”.

ويعود بالذاكرة الى الوراء قليلاً، ويقول ان “مناهضة الفساد والفلتان عبر تشريعات قانونية هو أمر شرعنا به منذ زمن، وقد أقر المجلس النيابي 53 قانوناً قابلاً للتنفيذ في اطار مناهضة الفساد، وهناك ايضا 3 اتفاقات دولية على هذا الصعيد، لكن تدخلات حالت دون ان تسير الامور سيرها الطبيعي وتحقق ما هو مأمول ومنتظر”.

ولم ينسَ بري ان يردّ بشكل غير مباشر على الذين يطالبونه بالتحرك واطلاق مبادرات الحل والتسويات على جاري عادته، فيذكّر بانه سبق له ان اطلق العديد من المبادرات، بعضها عُلِم وبعضها بقي بعيداً من الانظار، ملمّحاً الى دوره في اقناع الوزير السابق بهيج طبارة بالتصدي لملء الفراغ الحكومي، لكنه (اي بري) عاد الآن الى مربّع انتظار مبادرات المعنيين الآخرين ليبني على الشيء مقتضاه.